قصة حب ...
ليست القضية متى سيأتي.. القضية هل يبقى حين يأتي؟
إلتقته وهي في العشرين من عمرها
في وقت ظنت أنها فقدت القدرة على الحب والحلم والأمل
وأشياء أخرى تحتاج إليها المرأة في منتصف العمر
وبعد أن مرت بظروف حملتها من الألم فوق طاقتها
وبعد أن اتسعت الفجوة بينها وبين الفرح
وأصبحت السعادة من مستحيلات حياتها
عندها
جاء هو
بقلبه الكبير
وببحور حنانه الباحثة عن أنثى تكون نصف قلبه الآخر
اقترب منها كالأحلام الهادئة
عشقها بصدق فرسان الحكايات القديمة
وطرق بابها في أشد مراحل عمرها ظلمة ليمنحها باقة من النور
لم يكن آخر أطواق النجاة بالنسبة إليها
بل كان الشاطئ والقبطان والسفينة
غيرها تماماً
نسفها داخلياً وخارجياً
لون كل المساحات السوداء في داخلها
فتعلقت به تعلق الأم بطفلها
وتعلق الأنثى بفارسها
وتعلق الإنسان بوطنه
وشعرت معه بأمان لم تشعر به طيلة سنواتها
اقترب من أعماقها أكثر
ملأ إحساسها كالدم
وملأ حياتها كالهواء
كانت تنام على وعوده
وتستيقظ على صوته
تمادت معه بأحلامهما
منحت نفسها حق الحلم كسواها
حلمت بأطفال بعدد نجوم السماء
وبقدرة إلهية تهديه إياها
وبليلة من العمر تجمعهما في جنة فوق الأرض تعيش فيها معه
كان رجلاً رومانسياً شفافاً
بادلها أحلامها بنقاء
لم تكن بالنسبة إليه حكاية يسعى إلى إنهاء دوره فيها
ولم يكتبها رقماً في أجندته
ولم يسجلها موعداً قابلاً للإنتهاء
كانت شيئاً آخر
إحساساً مختلفاً
وإمرأة لا لا يمكن تصور حياته من دونها
اعتادت وجوده في حياتها
تماماً كما اعتاد وجودها في عالمه
كان إحساسهما طاهراً نقياً
لم تدنسه مواعيد الغرام
ولم تلوثه اللقاءات المحرمة
كان يصونها كعرضه
وكانت تحفظه كعينيها
سألها يوماً : ماذا لو خنت؟
قالت : سأقتلك
قال : وماذا وماذا لو مت ؟
قالت : ستقتلني
عندها أدرك انها إمرأة ترفض الحياة بغير وجوده
فتمسك بحياته أكثر
وتمنى أن يعيش إلى الأبد كي يجنبها ألم فقدانه وفجيعة رحيله.
منذ أن عرفته وهي تعشق المساء جداً
ففي المساء يأتي صوته حاملاً لها فرح العالم كله
ويعيدها رنين الهاتف حتى يبادرها متسائلاً:
(( من تحبين أكثر ؟ أنا؟ أم أنا؟))
فتجيبه بطفولة إمرأة عاشقة :
(( احبك أنت اكثر .. من .. انت ))
ثم يتجولان معاً في عالم من الاحلام الجميلة
وهذا المساء
انتظرت صوته كالعادة
ومرت الدقائق
وتلتها الساعات
شئ مافي قلبها بدأ يشتعل
شئ ما تتجاهل صوته اكنه يلح
شئ ما يصرخ فيها إنه لن يعود
وشئ ما يوقظ في داخلها كل شكوك وظنون الانثى في لحظة الانتظار
ترى هل نسي ؟
هل خان ؟
هل .. رحل ؟
ومع أول إشعاع نور لصباح
حادثها أحدهم ليخبرها بضرورة وجودها في المستشفى
لأن أحدهم يصر على رؤيتها قبل دخوله غرفة العمليات.
وهناك التقته
باسماً في وجهها كعادته برغم الألم
قال لها :
(( سامحيني
أعلم أن رحيلي سيسرق منك كل شيء
وأعلم كيف ستكون لياليك بعدي
وأعلم مساحة الرعب التي سيخلفها رحيلي في داخلك
و أعلم أنه لا شيء سيملأ الفراغ خلفي
و أعلم كم ستقتلك البقايا
و أعلم ستكسرك الذكرى
و أعلم تحت أي مقاصل العذاب ستنامين
وفي أي مشانق الانتظار وكيف ستبكين
و أعلم أني قد خذلتك و أعلم أنك ستغفرين ))
ومضى إلى مصير تجهله
كانت رائحة الوداع تملأ حديثه
لكنها تعلقت بآخر قشة للأمل
وانتظرت
انتظرت
انتظرت
وكانت تردد بينها وبين نفسها
ماذا لو أنه رحل ؟
ماذا سيكون لون حياتها ؟
بل ماذا سيتبقى من حياتها ؟
لم تحتمل ثقل سؤالها
فجلست فوق الأرض
ما عادت قدماها تقويان على حملها
استندت إلى الجدار في انتظار حكم الحياة عليها
ومن بعيد لمحته يأتي
يتقدم نحوها
إنه الطبيب الذي أجرى له العملية
تمنت أن يقف مكانه
أن لا يتقدم أكثر
أن لا يفتح فمه بنبأ رحيله
دقات قلبها تزداد .. أنفاسها تتصاعد
ترى .. هل رحل ؟
أغمضت عينيها
ووضعت يديها على اذنيها
لا تريد أن تسمع .. لاتملك القدرة على ان تسمع نبأ كهذا النبأ
لا احد يعلم كم من الوقت مر قبل ان يصلها الطبيب
ربما لحظات .. وربما سنوات
لكنه أخيراً وصل
وقف أمامها باسماً .. قائلاً :
كتب له عمر جديد يا سيدتي
نجحت العملية .. وسيعيش
وانتظر أن ينطلق منها صوت الفرح
لكنها صمتت
لم تنطق
ولن تنطق أبداً
لقد رحلت .. قتلها الانتظار والخوف والترقب
عفواً
إنها امرأة
وصلت بتعلقها به إلى درجة رفض الحياة في غيابه
هل توجد مثل هذه المرأة الآن ؟
هل يوجد مثل هذا الرجل الآن ؟
وبعد أن أرعبنا المساء
تـــرى ؟
مـن قـتـل مــن ؟