وثَمّ أمر أخوف من ذلك وأدهى منه وأمر، وهو أن يخونه قلبه ولسانه عند الاحتضار والانتقال إلى الله تعالى، فربما تعذر عليه النطق بالشهادة، كما شاهد الناس كثيرا من المحتضرين أصابهم ذلك، حتى قيل لبعضهم: قل لا إله إلا الله، فقال: آه آه، لا أستطيع أن أقولها.
وقيل لآخر: قل : لا إله إلا الله، فقال: شاه رخ، غلبتك. ثم قضى .
وقيل لآخر: قل لا إله إلا الله، فقال :
يا رب قائلة يوما وقد تعبت .... أين الطريق إلى حمام منجاب
ثم قضى .
وقيل لآخر: قل لا إله إلا الله، فجعل يهذي بالغناء ويقول: تاتنا تننتا. حتى قضى
وقيل لآخر ذلك، فقال: وما ينفعني ما تقول ولم أدع معصية إلا ركبتها ؟ ثم قضى ولم يقلها.
وقيل لآخر ذلك، فقال: وما يغني عني، وما أعرف أني صليت لله صلاة ؟ ثم قضى ولم يقلها.
وقيل لآخر ذلك، فقال: هو كافر بما تقول. وقضى.
وقيل لآخر ذلك، فقال: كلما أردت أن أقولها لساني يمسك عنها.
وأخبرني من حضر بعض الشحاذين عند موته، فجعل يقول: لله، فلس لله. حتى قضى.
وأخبرني بعض التجار عن قرابة له أنه احتضر وهو عنده، وجعلوا يلقنونه: لا إله إلا الله، وهو يقول: هذه القطعة رخيصة، هذا مشتر جيد، هذه كذا. حتى قضى.
وسبحان الله ! كم شاهد الناس من هذا عبرا ؟ والذي يخفى عليهم من أحوال المحتضرين أعظم وأعظم .
من كتاب الداء والدواء ص 90 لابن القيم - رحمه الله -